اوردت الدستور مقالة للاستاذ
سعيد اسماعيل على
جاء فيها
ما الذي جري للتعليم في مصر؟
سعيد إسماعيل علي
عندما دق جرس الهاتف النقال وأسرعت للاستجابة متسائلا عمن يهاتفني علي الجانب الآخر وجدته يجيب قائلا: «أنا مصطفي كمال الدين حسين، ابن كمال الدين حسين نائب رئيس الجمهورية سابقا ووزير التربية والتعليم»!
كان الأمر مفاجئا لي إلي حد كبير، ثم إذا به يخبرني أنه يتابع مقالاتي ويحرص علي قراءتها، خاصة تلك التي تعلقت بالفترة التي تولي فيها والده أمر الوزارة، وأن له ملاحظات وتوضيحات علي ما كتبت يود أن يبينها لي. فلما رحبت بذلك متصورا أنه سوف يمضي في الحديث لتوضيح ما يريد، إذا به يطلب مقابلتي حتي يكون الحديث تفصيليا، حيث إن المناقشة وجها لوجه يمكن أن تولد لدي تساؤلات هو علي استعداد للإجابة عنها.
سعيد اسماعيل على
جاء فيها
ما الذي جري للتعليم في مصر؟
سعيد إسماعيل علي
عندما دق جرس الهاتف النقال وأسرعت للاستجابة متسائلا عمن يهاتفني علي الجانب الآخر وجدته يجيب قائلا: «أنا مصطفي كمال الدين حسين، ابن كمال الدين حسين نائب رئيس الجمهورية سابقا ووزير التربية والتعليم»!
كان الأمر مفاجئا لي إلي حد كبير، ثم إذا به يخبرني أنه يتابع مقالاتي ويحرص علي قراءتها، خاصة تلك التي تعلقت بالفترة التي تولي فيها والده أمر الوزارة، وأن له ملاحظات وتوضيحات علي ما كتبت يود أن يبينها لي. فلما رحبت بذلك متصورا أنه سوف يمضي في الحديث لتوضيح ما يريد، إذا به يطلب مقابلتي حتي يكون الحديث تفصيليا، حيث إن المناقشة وجها لوجه يمكن أن تولد لدي تساؤلات هو علي استعداد للإجابة عنها.
كان من الطبيعي أن أرحب بزيارة الابن الكريم، الذي جاء إلي مكتبتي خلف جامعة عين شمس، ثم إذا به يعتب أني عبت علي تولي والده «ضابط» برتبة صاغ - رائد - وزارة التربية، حيث كانت دراسته لا تتجاوز علي وجه التقريب سنتين بعد الثانوية العامة، حيث أكد أنني نسيت أن كمال الدين حسين كان يحمل لقب «أركان حرب» وأن هذه الرتبة تساوي درجة الماجستير، فضلا عن أنه أمضي شطرا منها في انجلترا.
وزاد علي ذلك بأن والده كان قرّاءا، فلم يقف مستوي تعليمه وثقافته عند حد ما تلقاه في معاهد التعليم النظامي الرسمية.
أما بخصوص الأزمة التي نشبت بين كمال الدين حسين ومجلس الأمة سنة 1957، فقد أحضر معه قصاصة من جريدة (الشعب) - المجمدة - حيث نشرت ردا لكمال الدين حسين نفسه بتاريخ 28/9/1982 يرد فيها تفصيلا علي ما كتبه الصحفي «إبراهيم يونس» عن تلك الأزمة، حيث تضمنت أن بعضا من النواب تقدم باقتراح برغبة يتعلق بأمرين، أولهما أن تقبل الجامعات الحاصلين علي أقل من 50% في مجموع درجات الثانوية العامة منتسبين، والثاني أن يستمر قيد الذين استنفذوا مرات الرسوب، وبعد ما بقوا سنوات طويلة بلا نجاح في فرقهم، فقد رفض كمال الدين حسين هذا وأصر علي رأيه.
كان سند كمال الدين حسين أن الجامعات كانت قد استوعبت أقصي الطاقة من الطلاب الجدد منتظمين ومنتسبين، وأنه لا يمكن قبول المزيد، وأن هذا هو مطلب الجامعات نفسها حتي تستطيع أن تؤدي رسالتها علي أفضل ما يرام، وأن قبول هذين المقترحين سوف يعوق الجامعات عن تجويد التعليم، حيث إن النوعية المقترح قبولها من الضعاف جدا، وخير من الإنفاق عليهم، أن توجه تلك الأموال إلي مزيد من التوسع في مراحل التعليم قبل الجامعي.
ويشير كمال الدين حسين في رده إلي أن شقيق عبد الناصر نفسه، قد فصل من الجامعة لاستنفاد مرات الرسوب ( وعندما حكيت عن هذا لبعض الأصدقاء مؤكدا أن مثل هذا الأمر يستحيل أن يحدث الآن، إذ من الممكن أن يُجمع مجلس الشعب للموافقة علي قرار بكذا مما يتيح لمثل هؤلاء الطلاب الفاشلين بالاستمرار، إذا بصديق يقول إنهم - الآن - قد لا يحتاجون إلي ذلك أصلا لأنهم سوف يحتاطون من المنبع، حيث يستحيل أصلا أن يرسب مثل هذا القريب للسلطة، والوسائل معروفة لا تخفي علي أحد!!).
وأبرز ما جاء به «مصطفي كمال الدين حسين» من وثائق، قصاصة من جريدة الأخبار وقت نشوب الأزمة تحمل تصريحا لأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد يعلن فيه تأييده الصريح لوجهة نظر كمال الدين حسين!!
وأبرز ما حمله رد كمال الدين حسين لجريدة الشعب هو قوله بالنص «ولم أكن في أي وقت من الأوقات رئيسا لأي جامعة ولا رئيسا للمجلس الأعلي للجامعات»، حيث إن هذه المعلومة الثانية لم تكن لدينا عندما كتبنا، اعتمادا علي القاعدة السائرة منذ سنوات بعيدة، أن الوزير يرأس المجلس الأعلي للجامعات، ولم تكن وزارة التعليم العالي قد أنشئت بعد.
وأكد مصطفي أن شخصا من جهاز التعليم قد تطوع يوما، من غير أن يكلفه أحد من الأسرة بذلك فجاء إليه وهو ما زال طالبا في التعليم العام بهدف تغشيشه فرفض مصطفي خوفا من أن يعلم أبيه بذلك، وهو قد تعود رفضه لمثل هذه الأساليب، ولما عرف كمال الدين حسين ثار وهاج وماج طالبا معرفة اسم هذا المتطوع للتغشيش حتي ينزل به أشد العقاب !
وأعرب مصطفي عن شديد ألمه، وهو يتابع حلقات أحاديث محمد حسنين هيكل علي شاشة قناة الجزيرة عن حرب 1956، عندما جاء ذكر المقاومة الشعبية والبطولات الخارقة التي قامت بها، ذلك أن كمال الدين حسين كان قد ترك موقعه كوزير للتربية وأبهة السلطة والوزارة، ولبس «الأفرول» العسكري، بعد تكليفه بأن يكون هو قائد المقاومة الشعبية علي طول القناة، ومع ذلك لم يذكر هيكل كلمة واحدة يجئ فيها ذكر قائد هذه المقاومة، كمال الدين حسين، مؤكد بذلك كيف يؤدي انحياز هيكل لعبد الناصر إلي تغافل مثل هذه الحقيقة التاريخية، حيث إن كمال الدين كان قد بدأ يختلف مع عبد الناصر، بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية، ونال علي يديه عزلا ومحاصرة.
وأجبت مصطفي بأنني قد لاحظت تحيز هيكل هذا في مسألة أخري، فقد راح يعدد بعض القوي والفئات التي شاركت في المقاومة، فأشاد بمشاركة كذا وكذا، حتي الشيوعيين، وقال إن الفئة الوحيدة التي لم تشارك هي الإخوان المسلمين، فهل نسي أنهم عن بكرة أبيهم كانوا في السجون في هذه الفترة ؟ إنه إذ يذكر جزءا من الحقيقة، ثم لا يكملها لا يكون بذلك علي القدر الذي نرجوه له من الأمانة التاريخية، خاصة أنه يحظي بقبول وتصديق من الملايين، وكأنه لو قال إن الشخص يمكن أن يكون في مكانين مختلفين في وقت واحد لصدقناه!!
ومن أهم الأوراق التي أراني إياها مطصفي كمال الدين حسين، وألححت في أن يترك لي صورة منها، دفتر بخط يد والده، يخطط فيه لما يريد عمله في وزارة التربية عقب أن كُلف بتولي أمرها، وقراءة هذه الأوراق تصحح بالفعل تصورنا عن الرجل، فهي تنم عن عقل واع وأفق واسع وإحاطة جيدة بحال التعليم في مصر وما كان بحاجة إليه.
فأول خططه كانت إصدار قانون بتغيير اسم الوزارة من وزارة «للمعارف» إلي وزارة «للتربية والتعليم».
ويسجل وزيرنا العسكري «من أكبر عيوب المدرسة المصرية هو بعدها عن حياة الناس والمجتمع، والواجب أن تكون وثيقة الصلة بالحياة وبالمجتمع الذي نعيش فيه».
تري، أليس هذا هو الداء نفسه الذي ما زلنا نشكو منه حتي الآن ؟!
وهو يسجل اقتراحه بعدد من الوسائل والوسائط والقنوات التي عن طريقها تتوثق الصلات بين المدرسة والحياة، مثل وجود مشرفين اجتماعيين، والجمعيات التعاونية، وجمعيات الكشافة، وجمعيات الهلال الأحمر، «وتفهم معني الإنتاج والحياة الاقتصادية في البلاد.. لخ».
ومما جاء في الدفتر أيضا أنه يجب أن تعطي لمديري المناطق ونظار المدارس «حرية كبيرة في التصرف في البرامج، في حدود السياسة العامة للوزارة».
وهو يلفت النظر إلي ضرورة التركيز علي كل من : اللغة العربية، والدين ( حيث أعقبه بعبارة «في سبيل الحياة - طريق لحياة أفضل، الدين المعاملة ).
الأوراق كانت مذهلة بالنسبة لمثلي بالفعل ممن جعلوا همهم الأكبر في التأريخ للتعليم في مصر، فعبر عشرين صفحة بخط اليد يثبت الرجل أفكارا علي درجة عالية من التقدم والفهم، بل إن بعضها نرفعه شعارا أيامنا هذه. صحيح أن بعضها لم يتحقق، إلا أن هذا يؤكد الحقيقة القائلة بأن الرجل، علي الرغم من السلطات الواسعة التي كان يملكها، كان يعي في الوقت نفسه أنه كان يتحرك في سياق نظام له أولوياته، فضلا عن ظروف عامة إقليمية ودولية كان لها دورها في تخفيض سقف الطموح الذي كان قائما.
كذلك، في السياق نفسه، اتصل بي الأستاذ الدكتور مصطفي رجب أستاذ أصول التربية في جامعة سوهاج والأديب المتميز، مؤكدا أن الأمر بالنسبة لنقابة المعلمين لم يكن كما كتبت من أنها نشأت في عهد كمال الدين حسين، وأنها علي العكس أنشئت في عهد سابق هو عهد الدكتور طه حسين عندما كان وزيرا للمعارف في وزارة الوفد قبل الثورة، ولما أعدت مراجعة هذه المعلومة وجدت أن تصويب الدكتور مصطفي هو الصحيح بالفعل، وأنني أخطأت، خاصة أن الدكتور مصطفي كان قد اختار طه حسين باعتباره مفكرا تربويا كموضوع دراسته للماجستير، منذ عدة عقود.
كذلك نبه الدكتور مصطفي إلي أن المقال جاء به أن كمال الدين حسين قدم استقالته في 11/12/1957 وأن عبد الناصر أعلن رفضها في 6/12/1957، إذ كيف يكون تاريخ الرفض سابقا لتاريخ تقديم الاستقالة؟
فلما راجعت أصل المقال وجدت أن رد فعل عبد الناصر كان بتاريخ 16/12، لكن جريدتنا العزيزة الدستور هي التي أخطأت ولسنا نحن، إذ حذفت رقم (1) فأصبح (6)!
وإني إذ أشكر المصطفيين لأتوجه بالنداء إلي من يملك تصحيحا أو توضيحا، خاصة ممن تحدثت عنهم في مقالاتي أو أهلهم أن يفعل مثلما فعل المصطفيان، فتلك فرصة تاريخية حقا للاقتراب قدر الإمكان من الحقيقة، فنحن لسنا مغرمين بتوجيه الاتهامات، وإنما نحاول أن نكون قضاة، إذا كان لنا أن نحكم بالإدانة، فنحن كذلك علي استعداد للحكم بغير ذلك.
وزاد علي ذلك بأن والده كان قرّاءا، فلم يقف مستوي تعليمه وثقافته عند حد ما تلقاه في معاهد التعليم النظامي الرسمية.
أما بخصوص الأزمة التي نشبت بين كمال الدين حسين ومجلس الأمة سنة 1957، فقد أحضر معه قصاصة من جريدة (الشعب) - المجمدة - حيث نشرت ردا لكمال الدين حسين نفسه بتاريخ 28/9/1982 يرد فيها تفصيلا علي ما كتبه الصحفي «إبراهيم يونس» عن تلك الأزمة، حيث تضمنت أن بعضا من النواب تقدم باقتراح برغبة يتعلق بأمرين، أولهما أن تقبل الجامعات الحاصلين علي أقل من 50% في مجموع درجات الثانوية العامة منتسبين، والثاني أن يستمر قيد الذين استنفذوا مرات الرسوب، وبعد ما بقوا سنوات طويلة بلا نجاح في فرقهم، فقد رفض كمال الدين حسين هذا وأصر علي رأيه.
كان سند كمال الدين حسين أن الجامعات كانت قد استوعبت أقصي الطاقة من الطلاب الجدد منتظمين ومنتسبين، وأنه لا يمكن قبول المزيد، وأن هذا هو مطلب الجامعات نفسها حتي تستطيع أن تؤدي رسالتها علي أفضل ما يرام، وأن قبول هذين المقترحين سوف يعوق الجامعات عن تجويد التعليم، حيث إن النوعية المقترح قبولها من الضعاف جدا، وخير من الإنفاق عليهم، أن توجه تلك الأموال إلي مزيد من التوسع في مراحل التعليم قبل الجامعي.
ويشير كمال الدين حسين في رده إلي أن شقيق عبد الناصر نفسه، قد فصل من الجامعة لاستنفاد مرات الرسوب ( وعندما حكيت عن هذا لبعض الأصدقاء مؤكدا أن مثل هذا الأمر يستحيل أن يحدث الآن، إذ من الممكن أن يُجمع مجلس الشعب للموافقة علي قرار بكذا مما يتيح لمثل هؤلاء الطلاب الفاشلين بالاستمرار، إذا بصديق يقول إنهم - الآن - قد لا يحتاجون إلي ذلك أصلا لأنهم سوف يحتاطون من المنبع، حيث يستحيل أصلا أن يرسب مثل هذا القريب للسلطة، والوسائل معروفة لا تخفي علي أحد!!).
وأبرز ما جاء به «مصطفي كمال الدين حسين» من وثائق، قصاصة من جريدة الأخبار وقت نشوب الأزمة تحمل تصريحا لأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد يعلن فيه تأييده الصريح لوجهة نظر كمال الدين حسين!!
وأبرز ما حمله رد كمال الدين حسين لجريدة الشعب هو قوله بالنص «ولم أكن في أي وقت من الأوقات رئيسا لأي جامعة ولا رئيسا للمجلس الأعلي للجامعات»، حيث إن هذه المعلومة الثانية لم تكن لدينا عندما كتبنا، اعتمادا علي القاعدة السائرة منذ سنوات بعيدة، أن الوزير يرأس المجلس الأعلي للجامعات، ولم تكن وزارة التعليم العالي قد أنشئت بعد.
وأكد مصطفي أن شخصا من جهاز التعليم قد تطوع يوما، من غير أن يكلفه أحد من الأسرة بذلك فجاء إليه وهو ما زال طالبا في التعليم العام بهدف تغشيشه فرفض مصطفي خوفا من أن يعلم أبيه بذلك، وهو قد تعود رفضه لمثل هذه الأساليب، ولما عرف كمال الدين حسين ثار وهاج وماج طالبا معرفة اسم هذا المتطوع للتغشيش حتي ينزل به أشد العقاب !
وأعرب مصطفي عن شديد ألمه، وهو يتابع حلقات أحاديث محمد حسنين هيكل علي شاشة قناة الجزيرة عن حرب 1956، عندما جاء ذكر المقاومة الشعبية والبطولات الخارقة التي قامت بها، ذلك أن كمال الدين حسين كان قد ترك موقعه كوزير للتربية وأبهة السلطة والوزارة، ولبس «الأفرول» العسكري، بعد تكليفه بأن يكون هو قائد المقاومة الشعبية علي طول القناة، ومع ذلك لم يذكر هيكل كلمة واحدة يجئ فيها ذكر قائد هذه المقاومة، كمال الدين حسين، مؤكد بذلك كيف يؤدي انحياز هيكل لعبد الناصر إلي تغافل مثل هذه الحقيقة التاريخية، حيث إن كمال الدين كان قد بدأ يختلف مع عبد الناصر، بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية، ونال علي يديه عزلا ومحاصرة.
وأجبت مصطفي بأنني قد لاحظت تحيز هيكل هذا في مسألة أخري، فقد راح يعدد بعض القوي والفئات التي شاركت في المقاومة، فأشاد بمشاركة كذا وكذا، حتي الشيوعيين، وقال إن الفئة الوحيدة التي لم تشارك هي الإخوان المسلمين، فهل نسي أنهم عن بكرة أبيهم كانوا في السجون في هذه الفترة ؟ إنه إذ يذكر جزءا من الحقيقة، ثم لا يكملها لا يكون بذلك علي القدر الذي نرجوه له من الأمانة التاريخية، خاصة أنه يحظي بقبول وتصديق من الملايين، وكأنه لو قال إن الشخص يمكن أن يكون في مكانين مختلفين في وقت واحد لصدقناه!!
ومن أهم الأوراق التي أراني إياها مطصفي كمال الدين حسين، وألححت في أن يترك لي صورة منها، دفتر بخط يد والده، يخطط فيه لما يريد عمله في وزارة التربية عقب أن كُلف بتولي أمرها، وقراءة هذه الأوراق تصحح بالفعل تصورنا عن الرجل، فهي تنم عن عقل واع وأفق واسع وإحاطة جيدة بحال التعليم في مصر وما كان بحاجة إليه.
فأول خططه كانت إصدار قانون بتغيير اسم الوزارة من وزارة «للمعارف» إلي وزارة «للتربية والتعليم».
ويسجل وزيرنا العسكري «من أكبر عيوب المدرسة المصرية هو بعدها عن حياة الناس والمجتمع، والواجب أن تكون وثيقة الصلة بالحياة وبالمجتمع الذي نعيش فيه».
تري، أليس هذا هو الداء نفسه الذي ما زلنا نشكو منه حتي الآن ؟!
وهو يسجل اقتراحه بعدد من الوسائل والوسائط والقنوات التي عن طريقها تتوثق الصلات بين المدرسة والحياة، مثل وجود مشرفين اجتماعيين، والجمعيات التعاونية، وجمعيات الكشافة، وجمعيات الهلال الأحمر، «وتفهم معني الإنتاج والحياة الاقتصادية في البلاد.. لخ».
ومما جاء في الدفتر أيضا أنه يجب أن تعطي لمديري المناطق ونظار المدارس «حرية كبيرة في التصرف في البرامج، في حدود السياسة العامة للوزارة».
وهو يلفت النظر إلي ضرورة التركيز علي كل من : اللغة العربية، والدين ( حيث أعقبه بعبارة «في سبيل الحياة - طريق لحياة أفضل، الدين المعاملة ).
الأوراق كانت مذهلة بالنسبة لمثلي بالفعل ممن جعلوا همهم الأكبر في التأريخ للتعليم في مصر، فعبر عشرين صفحة بخط اليد يثبت الرجل أفكارا علي درجة عالية من التقدم والفهم، بل إن بعضها نرفعه شعارا أيامنا هذه. صحيح أن بعضها لم يتحقق، إلا أن هذا يؤكد الحقيقة القائلة بأن الرجل، علي الرغم من السلطات الواسعة التي كان يملكها، كان يعي في الوقت نفسه أنه كان يتحرك في سياق نظام له أولوياته، فضلا عن ظروف عامة إقليمية ودولية كان لها دورها في تخفيض سقف الطموح الذي كان قائما.
كذلك، في السياق نفسه، اتصل بي الأستاذ الدكتور مصطفي رجب أستاذ أصول التربية في جامعة سوهاج والأديب المتميز، مؤكدا أن الأمر بالنسبة لنقابة المعلمين لم يكن كما كتبت من أنها نشأت في عهد كمال الدين حسين، وأنها علي العكس أنشئت في عهد سابق هو عهد الدكتور طه حسين عندما كان وزيرا للمعارف في وزارة الوفد قبل الثورة، ولما أعدت مراجعة هذه المعلومة وجدت أن تصويب الدكتور مصطفي هو الصحيح بالفعل، وأنني أخطأت، خاصة أن الدكتور مصطفي كان قد اختار طه حسين باعتباره مفكرا تربويا كموضوع دراسته للماجستير، منذ عدة عقود.
كذلك نبه الدكتور مصطفي إلي أن المقال جاء به أن كمال الدين حسين قدم استقالته في 11/12/1957 وأن عبد الناصر أعلن رفضها في 6/12/1957، إذ كيف يكون تاريخ الرفض سابقا لتاريخ تقديم الاستقالة؟
فلما راجعت أصل المقال وجدت أن رد فعل عبد الناصر كان بتاريخ 16/12، لكن جريدتنا العزيزة الدستور هي التي أخطأت ولسنا نحن، إذ حذفت رقم (1) فأصبح (6)!
وإني إذ أشكر المصطفيين لأتوجه بالنداء إلي من يملك تصحيحا أو توضيحا، خاصة ممن تحدثت عنهم في مقالاتي أو أهلهم أن يفعل مثلما فعل المصطفيان، فتلك فرصة تاريخية حقا للاقتراب قدر الإمكان من الحقيقة، فنحن لسنا مغرمين بتوجيه الاتهامات، وإنما نحاول أن نكون قضاة، إذا كان لنا أن نحكم بالإدانة، فنحن كذلك علي استعداد للحكم بغير ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق